خلو منصب رئيس الجمهورية في الدستور العراقي

Kurd24

تمهيد:

تفسير المحكمة الإتحادية العليا للمادة (70/أولا) من الدستور والمتعلقة بنصاب والعدد المطلوب من الأصوات لمن يريد أن يفوز ويتولى منصب رئيس الجمهورية، أدخل الفرقاء والكتل السياسية في مأزق قانوني وسياسي حرج، ومن الصعب فكها والخروج منها إلا من خلال التوافق السياسي بين الكتل الفائزة وخاصة الشيعية والكوردية أو من خلال مقص جراحي يقسم الكتل الكبيرة ويتم إعادة توزيعها على الكتل الفائزة، وفي كل الأحوال الحلول والمعالجات صعبة للغاية بسبب عامل الوقت وتمسك الأطراف بمواقفها السابقة دون الالتفاف الى المصالح المشتركة والعليا للعباد والبلاد.

وخاصة بعد الحديث عن موضوع خلو موقع رئيس الجمهورية بعد 8/2/2022 وتولي رئيس مجلس النواب العراقي محله، وفي هذه الحالة على مجلس النواب انتخاب رئيس جديد في مدة أقصاه (30) يوما من تأريخ الخلو [المادة 75/رابعا من الدستور].

ومن الجدير بالذكر: في الموضوع المعنون: (خلو منصب رئيس الجمهورية في الدستور العراقي ـ قراءة قانونية، تحليلية ـ)، تطرقت الى مجموعة من النقاط بدءا بانتهاء ولاية رئيس الجمهورية، ومرورا بحلول رئيس مجلس النواب محل رئيس الجمهورية، وخلو منصب رئيس الجمهورية والتفريق بين مصطلح (الغياب) و (الخلو) من الناحية الدستورية، وختمنا الموضوع بجملة من النتائج والحلول والتوصيات والأسئلة الجوهرية التي تتعلق في حالة الخلو وإخفاق مجلس النواب في انتخاب رئيس جديد.

أولا: انتهاء ولاية رئيس الجمهورية:

تطرق الدستور العراقي لسنة 2005 النافذ، في المادة (72/ثانيا/أوب، والمادة 13من قانون أحكام الترشح لمنصب رئيس الجمهورية) الى موضوع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، حيث نصت المادة الدستورية (72/ثانيا): ((أ. تنتهي ولاية رئيس الجمهورية بانتهاء دورة مجلس النواب))، ب ـ ((يستمر رئيس الجمهورية بممارسة مهماته إلى ما بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب الجديد واجتماعه، على ان يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ أول انعقاد له)).

من إحدى تفسيرات محتوى هذه المادة، وبالذات فقرة (ب) منها، تقول: في حالة عدم انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ أول انعقاد له، أي: في 8/2/2022، وانتخاب رئيس جديد، وبنصاب وحصد ثلثين من أصوات أعضاء مجلس النواب الكلي، كما هو واضح من تفسير المحكمة الإتحادية للمادة (70) أولا، وفي حالة الإخفاق في إنجاح هذه الخطوة سيدخل العراق في خلو (فراغ) دستوري لموقع رئيس الجمهورية، لأن ولاية الرئيس الحالي (د. برهم صالح) سينتهي في 8/2/2022، كما هو مستنبط من المادة (72/ب).

ثانيا: حلول رئيس مجلس النواب محل رئيس الجمهورية:

الحالة المذكورة آنفا ـ خلو منصب رئيس الجمهورية ـ التي ذكرها المادة (72/ب)، تختلف عن الفقرة (ج من المادة 72)، التي تنص: ((في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية لأي سبب من الأسباب، يتم انتخاب رئيس جديد لإكمال المدة المتبقية لولاية رئيس الجمهورية))، باعتبار: لم يبقى مدة متبقة للرئيس لإكمالها.

ومن إحدى تفسيرات محتوى هذه الفقرة الدستورية من المادة (72/ج)، تقول: في هذه الحالة سيحل رئيس مجلس النواب محل رئيس الجمهورية، لحين انتخاب جديد لرئيس الجمهورية في مدة أقصاه (30) يوما من تأريخ الخلو، استنباطا واستنادا الى محتوى المادة (75/رابعا): ((في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية يحل رئيس مجلس النواب محل رئيس الجمهورية في حالة عدم وجود نائب له على أن يتم انتخاب رئيس جديد خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوما من تاريخ الخلو، وفقا لأحكام هذا الدستور))، والمادة (14) من قانون أحكام الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية.

ثالثا: خلو منصب رئيس الجمهورية في الدستور:

فرق الدستور النافذ بين حالتين من حالات خلو منصب رئيس الجمهورية:

الحالة الأولى: سماها (الغياب):

كما في حالات ذهابه أو إيفاده خارج البلاد سواء لأغراض بروتوكولية أو زيارات رسمية أو سياحية أو إجازات إعتيادية أو في حالات المرض والعجز الصحي أو فقدان الأهلية ـ الغيبوبة، الجنون، العته، السفه... ـ.

وفي هذه الحالة يتولى ويحل نائب رئيس الجمهورية محل رئيس الجمهورية في أداء مهامه الدستورية والقانونية لحين شفاءه أو عودته من خارج الوطن، وفي خلاف ذلك يبقى نائب الرئيس في محل الرئيس لحين انتهاء مدته القانونية، وهي بانتهاء مدة الدورة النيابية لمجلس النواب [المادة 75/ ثانيا]، بعبارة أخرى: سيستمر نائب الرئيس في مهامه بعد انتهاء فترة مجلس النواب لحين انتخاب رئيس جديد خلال ثلاثين يوما من تأريخ أول انعقاد للمجلس المنتخب – الجديد، استنباطا من [المادة 72/ ثانيا / ب].

 وفي حالة عدم وجود نائب للرئيس وخاصة فيما يتعلق بموضوع: العجز الصحي الذي يعوق عودة الرئيس الى مهامه أو فقدان الأهلية ـ الغيبوبة، الجنون، العته، السفه... ـ هنا يحل رئيس مجلس النواب محله، لحين انتخاب رئيس جديد في مدة أقصاه (30) يوما.

الحالة الثانية: سماها (الخلو):

الخلو: هو الشغور في المنصب، وعند فقهاء الدستور: هو شغور المنصب إما بسبب الوفاة أو الاستقالة أو صدور حكم قضائي بات ضد المتهم.

وفي هذه الحالة يتولى نائب رئيس الجمهورية مهام رئيس الجمهورية، لحين انتخاب مجلس النواب رئيس جديد في مدة أقصاه ثلاثون يوما من تأريخ وقوع الخلو، وفي حالة عدم وجود نائب لرئيس الجمهورية، يتولى رئيس مجلس النواب مهام رئيس الجمهورية، لحين انتخاب مجلس النواب رئيس جديد للجمهورية في مدة أقصاه ثلاثون يوما من تأريخ وقوع الخلو وفقا لأحكام الدستور [المادة 75 / ثالثا ورابعا].

ووفق هذه المعاني لمدلول مفردة واصطلاح (الخلو) الوارد في الدستور، فإن موقع ومنصب رئيس الجمهورية لم يصبحا شاغرا بالخلو، لكون الرئيس على قيد الحياة ولم يقدم استقالته ولم يصدر حكم قضائي بات بحقه ولم يتم إعفائه من قبل مجلس النواب استنادا الى إدانته من قبل المحكمة الإتحادية، عليه عدم صحة حلول رئيس مجلس النواب محل رئيس الجمهورية.

رابعا: الحلول والنتائج ونقاط أخرى:

1. على رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس النواب طرق باب المحكمة الإتحادية العليا لتفسير المادة (72/ب) المتعلقة بانتهاء ولاية رئيس الجمهورية، بسبب إخفاق المجلس في ذلك الأمر.

2. على رئيس الجمهورية الذهاب الى المحكمة الإتحادية، لتفسير مصطلح (الخلو) الوارد في المادة (72/ثانيا/ج) والمادة (75/رابعا) من الدستور العراقي، قبل انتهاء مدته القانونية والدستورية.

3. إذا كان الخلو عند فقهاء الدستور: هو شغور المنصب إما بسبب الوفاة أو الاستقالة أو صدور حكم قضائي بات ضد المتهم أو إعفائه من منصبه بعد إدانته من قبل المحكمة الإتحادية، بسبب: الحنث في اليمين الدستورية أو انتهاك الدستور أو الخيانة العظمى [المادة (61/ سادسا / ب)]، وكل هذه الأمور لم يحدث في موضوع رئيس الجمهورية، فهذا يعني: استمرار الرئيس الحالي في مهامه الى حين انتخاب رئيس جديد للبلاد، باعتبار: الموقع الرئاسي لم يدخل في (خلو) دستوري.

4. وفي حالة تمسك رئيس الجمهورية بموقعه، وعدم تركه لرئيس مجلس النواب، هل سيلجأ مجلس النواب العراقي الى مساءلة رئيس الجمهورية بناءً على طلب مسبب – خرق الدستور- موقع من الأغلبية المطلقة من عدد أعضائه، كما هو منصوص في المادة (61/ سادسا / أ).

5. في هذه المعضلة الدستورية تبرز أهمية وجود نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية، لملئ أي خلو أو غياب في موقع رئيس الجمهورية، ولأي سبب كان.

6. وهذه النقطة في غاية الأهمية، وهي تتعلق بمجموعة من الأسئلة تطرح نفسها، في هذا المقام الحساس، وهي:

أ‌. ماذا سيكون الحل بعد مرور (30) يوما من تولي رئيس مجلس النواب منصب رئيس الجمهورية، لأن الدستور لم يتطرق الى هذه النقطة؟

ب‌. ماذا سيكون مصير تشكيل مجلس الوزراء الجديد، والتوقيتات الدستورية، وتحديد وتكليف مرشح الكتلة الأكثر عددا.

باختصار، الجواب، إما سيكون:

أ‌. حل مجلس النواب العراقي والتوجه الى الانتخابات المبكرة، ويجب أن يحدث ذلك أثناء مدة تولي رئيس مجلس النواب محل رئيس الجمهورية، لأن بعد ذلك لن يكون للعراق رئيس جمهورية يدعو الى انتخابات مبكرة، كما هو منصوص [المادة 64/ثانيا].

ب‌. أو تعطيل الدستور وإعلان حالة الطوارئ في البلاد وتشكيل حكومة إنقاذ وطني وتهيئة الأجواء السياسية والأمنية والفنية والإدارية والمالية والزمنية للانتخابات المبكرة في عموم العراق.

7. لعدم الوقوع في النقطة (7)، من الأولى استمرار رئيس الجمهورية في مهامه، وخاصة هناك رأي من قبل فقهاء الدستور: بأن الخلو الدستوري لا يتم في حالة إخفاق مجلس النواب في انتخاب رئيس الجمهورية، والرأي النهائي لهذه المسألة عند المحكمة الإتحادية العليا، باعتبارها الجهة المعنية بتفسير نصوص الدستور [المادة 93/ثانيا من الدستور].

8. المفروض في أول تعديل للدستور، أن يشير: الى انتخاب رئيس الجمهورية ونائبيه أو نائبه في قائمة واحدة، وهذه النقطة سيكون مفتاحا لكسر حاجز الثلثين الذي وضعه الدستور وتفسير المحكمة الإتحادية، لكون هذه النقطة سيدخل أكثر من كتلة في تحالف لترشيح اسم الرئيس ونائبيه.

9. المفروض في أول تعديل للدستور، أن يشير: في حالة (خلو) موقوع رئيس الجمهورية، أن يحل رئيس مجلس الوزراء محله، لغاية انتخاب رئيس جديد للبلاد، باعتبار: كون رئيس الجمهورية جزء من السلطة التنفيذية الاتحادية [المادة 66 من الدستور].

 

ملاحظة: الآراء التي ترد ضمن قسم المقالات تمثل آراء الكتّاب ولا تعبر بالضرورة عن رأي كوردستان 24.